14 - 10 - 2025

رشقة أفكار | "طلقة حبر".. ٧٨ عامًا مضيئة تنير عتمة البلاط الصحفي (٢ -٢)

رشقة أفكار |

- عادل حمودة: عندما اكتب فإنني أكون متطهرًا أنيقًا دون رباط عنق يخنقني أو قفاز يقيد حرية أصابعي!

- قبلات البيجوم أغا خان على خدي في أسوان مازالت محفورة في ذاكرتي .

- سر النساء الأربعة  فاطمة وسعاد وسميرة وأميمة في مسيرتي الصحفية !

- نزار قباني لم يكن "دنجوان ".. أحب ثلاث نساء فقط في ٧٥ عامًا!

- عندما رقص السادات فرحا بتدمير روزا اليوسف في عهد خميس والشافعي!

- عبد الناصر أصبح "تبة ضرب النار" بعد انتصار اكتوبر والمشهد الافتتاحي كتبه يوسف جوهر والحمامصي !

- السادات انحنى أمام تمثال ناصر وتعهد بالسير على طريقه !النكته المصرية اللاذعة  : سار على طريقه بآستيكه!

- كلهم تكالبوا على "حمودة "من الأزهر والكنيسة إلى رجال الأعمال والسفارة الاميركية .انهاء تجربته في  روزا اليوسف كان الهدف الأسمي!

- الإمام الأكبر سيد طنطاوي صمم أن يسجنه.. أنقذه "الغتيت" و"ملاك حارس"!

- الكنيسة انتفضت ثأرا لصورة على الغلاف تصور بيل كلينتون شبه عارٍ مصلوبًا على ساقي إمرأة ! مونيكا لوينسكي هل كانت شبحًا؟

-  "تطهير"مطبخ السفير الاميركي على أيدي حاخام يهودي أخرجه من روزا اليوسف ١٩٩٨! آما الفطيرة ( اليهودية) من دم العرب فأخرجه من الأهرام ٢٠٠٤!

- منظمة يهودية ارادت تدميره كما حدث مع رجاء جارودي .. اتهمته بمعاداة السامية وانكار الهولوكست !

- سوزان مبارك رفضت تعيينه رئيسًا لتحرير الجمهورية :" ده مش مننا ومجنون صحافة لو لقى شيء ضدنا هينشره!

- عندما تشفى انيس منصور في خروجه من الأهرام : كيف لمجلة حكومية أن تهاجم رئيس الجمهورية !

- أهمس في أذن نقيب الصحفيين ومجلس النقابة بتكريم يليق بعادل حموده يوم عيد ميلاده الثامن والسبعين .

———————-

.. وعادل حمودة الذي تحل اليوم مناسبة الاحتفال بعيد ميلاده الثامن والسبعين (يوافق يوم ١٥ اكتوبر الجاري - هو من مواليد العام ٤٨).. ليس مجرد كاتب كبير ، كلمته "طلقة حبر" - دائما  ماتكون أقوى من طلقات البارود والقذائف - ولكنه أحد أمهر صناع الصحف ليس على مستوى مصر وحدها وإنما على المستوى العربي بلا مبالغة.

تجربته في إحياء مجلة "روزا اليوسف"  بفريق من الصحفيين زاملت أغلبهم  ووثق  هو أسماءهم جميعًا - بمن فيهم من تنكر له مثل  عبد الله كمال رحمه الله -  ماتزال محل اهتمام وحديث الناس ؛ صحفيون ومواطنون  سرى في دمهم عشق روزا اليوسف عبر سنوات ، لاسيما تجربته في إدارة تحريرها ، من بعد تجربة أستاذنا وأستاذه صلاح حافظ . درة التاج الصحفي لعادل حمودة تجلت في هذا الإحياء لروزا اليوسف ، بعد أن تولى تحريرها الفعلي  في الفترة من ٩٢ - حتى ٢ مارس ١٩٩٨ ،  كان العدد رقم ٣٦٣٨ هو آخر عدد يصدره منها ، ويكتب عن هذه التجربة خلاصة تقول : " أزعم أنها أثرت  في الصحافة المصرية وزادت من جرأتها ومهدت طريقًا لتسير فيه عربة حريتها مسرعة وإن  عانت من حفر ومطبات  فيما بعد"  .

تكالبت عوامل وضغوطات كثيرة ، مارسها الأزهر - الذي اعترض على موضوعات نشرها  وصفها بأنها جنسية، بل ضاق صدر الإمام الأكبر به وبالمجلة وصمم على سجنه ، لولا عناية الله وملاك حارس من البشر ! والكنيسة فعلت الشيء نفسه  - بملاحظات مشابهة ، من بينها ضيقها برسومات ظهرت على الغلاف ، أحدها يصور الرئيس السابق  بيل كلينتون مصلوبا شبه عارٍ  على ساق إمرأه ! وماذا في ذلك ؟! ألم تكن فضيحة مونيكا لوينسكي ، والبقعة الشهيرة على فستانها الأزرق محط اهتمام أربعة أنحاء المعمورة ؟

السفارة الأميركية في مصر لم تكن بعيدة عن الضغط ، بل كان ضغطها الشديد بمثابة "القشة التي قصمت ظهر البعير" كما يقولون ..هذه  السفارة مارست غضبها بعد  أن  فزع سفيرها - اليهودي - من موضوع نشرته روزا عن قيامه ب "تطهير  " مطبخه ، بواسطة حاخام يهودي جلبه خصيصا لهذه المهمة!  (وكانت صحف أميركية نشرت خبرًا حول تطهير مطبخ السفير ، لكن عادل حموده حوله إلى موضوع صحفي مقروء ومهم ومثير ، اعتمادًا على مراسلين  في أميركا والقاهرة ) كل هذا اسفر عن ضغوط هائلة جعلت مبارك يتخذ قرارًا بإخراجه من روزا اليوسف ونقله كاتبًا متفرغا بالأهرام .

في يوم الخروج .. التقى عادل وابراهيم نافع في الأهرام ، لكن  أنيس منصور وكان حضر اللقاء "تشفى في عادل حمودة قائلا أنه استغرب من سماح مبارك بأن تكون هناك انتقادات للرئيس في مجلة حكومية "! عادل لم يعر حديثه التفاتًا !

 غادر حمودة بيته (روزا ) إلى الأهرام ، لتكون من سخريات القدر أن يجلس هو في مكتب محمد عبد المنعم الذي رشحه لطفي الخولي خلفًا له ، ليسكن - بتعبير عادل نفسه-  بيته وسكنه في روزا اليوسف ! وفي الأهرام  بدأ كتابة مقالاته تحت عنوان صباح السبت ، لكن مقالًا  آخر عن اليهود كاد أن يلقي به إلى السجن ، وإن حوصرت آثاره في الخروج فقط من الأهرام ! مقال الفطيرة اليهودية  هو الذي كثف محاولات عادل حمود لصنع تجربة جديدة في  صحيفة صوت الأمة (٢٠٠٠-٢٠٠٥ )، تلاها تجربته الحالية في صحيفة  الفجر (تأسست في ٤يونيو ٢٠٠٥) والتي لايزال  اسمه على ترويستها  كمؤسس لها ، بعد أن تخلي لتلاميذه عن رئاسة التحرير!

عادل  حمودة هو الذي قدم للقراء كل معلومة نبش عنها ووصل إليها ووثقها - بمفاتيح عديدة وعلاقات وصداقات وطيدة - في ثياب قشيبة ، بعضها أبيض وبعضها أبيضّ في اسود وبعضها مزركش .. من فضيحة على النيل وبطلها ممدوح الليثى إلى بنات العجمي ومجتمع الأثرياء ورجال الأعمال وفسدة السلاطين والحكام والوزراء . من الفطيرة اليهودية وسيف معاداة السامية الذي شُهِر وسلط على رقبته  بعد أن كتب  في الأهرام مقالا بعنوان " فطيرة من دم العرب"! قصة المقال كما رواها كاتبنا الكبير تقول: "استندت إلى كتاب فرنسي قديم نشره المستشرق الفرنسي شارل لوران بعنوان : في حادث الأب توما وخادمه إبراهيم عمارة " وترجمه إلى اللغة العربية عام ١٨٩٨  الدكتور يوسف نصر الله ويروي قصة شكوى تقدم بها القنصل الفرنسي في دمشق إلى ديوان الوالي عام ١٨٤٠ عن اختفاء الأب توما المسيحي عقب دخوله حارة اليهود ، وثبت من التحقيقات وشهادة الشهود أن حاخامات اليهود قتلوا الأب توما وصفوا دمه وعجنوه بدقيق صنعوا منه فطيرة عيد الفصح ، وتساءلت عن تصفية دماء الفلسطينيين التي تسفك الآن ولو لم تستخدم في صنع فطائر مقدسة " . وطبقا لعادل حمودة في صفحة ٢٠ من مذكراته في جزئها الأول المعنون ب <كلمة السر الحرية ٥٠ عامًا في أفران الصحافة والسياسة>  فإن المقال الذي نشر في الأهرام في زمن الراحل إبراهيم نافع أثار  حفيظة اليهود داخل وخارج اسرائيل (حتى ان منظمة يهودية طالبت بمحاكمته في فرنسا بتهمة معاداة السامية، وطالبت بأن يلقى نفس مصير المفكر الفرنسي روجيه (رجاء بعد أن غير إسمه وأشهر إسلامه والذي أدانته المحكمة الفرنسية بتهمة التشكيك في محرقة الهولوكست )  .وأضاف : كان المطلوب أن ألقى نفس المصير وتولى القضية نيابة عني وعن إبراهيم نافع الدكتور على الغتيت (رحمه الله) والذي نجح في ان يكون التحقيق معي في القاهرة بدلا من باريس  وخلال خمس جلسات على مدى شهر أثبت الغتيت أن موضوع مقالي " متداول في الفلكلور وأنه لو كان المقال يمس الديانة اليهودية فإنه لا يقترب من السامية. واستطرد : اغرب ماحدث أن إبراهيم نافع استغل القضية لتحقيق شهرة لم يصل إليها من قبل في كتاباته ، بسبب جنوحه الدائم نحو النظام مبررًا تصرفاته ، بل أكثر من ذلك منعني دون مبرر  من نشر ماكتبت عن القضية ! هذا المقال تسبب في خروجه  من الأهرام في عام ٢٠٠٤ تقريبًا ، ليؤسس صحيفة "صوت الأمة " ، وإن عاد إلى الأهرام  مؤخرًا ليكتب مجددًا "صباح الأحد " بعد ان كان عنوان مقاله - في عهد إبراهيم نافع - "صباح السبت".

مقال الفطيرة اليهودية  هو الذي كثف محاولات عادل حمودة  لصنع تجربة جديدة في  صحيفة صوت الأمة (٢٠٠٠-٢٠٠٥ )، تلاها تجربته الحالية في صحيفة  الفجر (تأسست في ٤يونيو ٢٠٠٥) والتي لايزال  اسمه على ترويستها  كمؤسس لها ، بعد أن تخلي لتلاميذه عن رئاسة التحرير .( ساهم ايضاً أثناء عمله في روزا اليوسف وقبل ان يضطلع بمهام رئيس التحرير الفعلي ( ولكن بمسمى نائب رئيس تحرير!) في إصدار جريدة الوادي وهي تجربة مصرية - سودانية لم يقدر لها استمرار النجاح والذيوع  بفعل العوامل السياسية )

نحن أمام صانع صحف بامتياز، ولولا أنني قبل أيام تناولت سيرته الذاتية المشوقة والتى حملت عنوانا عريضا في جزأين : كلمة السر هي الحرية (٥٠ عاما في أفران الصحافة والسياسة // ملفات سرية في السياسة والصحافة المصرية ) لأفردت مجددًا لأهم  ملامح  هذه المذكرات ،  لمزيد من المعرفة والمتعة والتشويق الصحفي وإنعاش الذاكرة .. فعادل علمنا  - كصحفيين -  وإن كنت لم أتشرف بالعمل معه في تجربته بروزا اليوسف بسبب سفري إلى الكويت عام ١٩٩٣- وأَعْلّمَ  القراء أيضا حكايات من أقاصي مصر إلى أربعة أنحاء المعمورة .. رسخ بالنسبة للناس حقهم في المعلومة والحرية .."عندما اكتب فإنني أكون متطهرًا أنيقًا دون رباط عنق يخنقني أو قفاز يقيد حرية أصابعي ،ليس هناك مايستحق هذه العناية أكثر من الصحافة ".." تعلمت من نزار قباني  ان القاريء لايتحمل البلف أو الغش او يشتري شيئا بالمصادفة " ..تعلمت من صلاح حافظ " ان تشبه كلماتي البشر الذين ينتظرونها .بعد ان تسلم  صلاح حافظ مجلة روزا اليوسف (في عهد السادات وفي  عهدة عبد الرحمن الشرقاوي صديقه كرئيس لمجلس الإدارة ) كان القاريء يريد ان يعرف ماجري في مصر طوال ١٨ سنة منذ قيام ثورة يوليو إلى رحيل عبد الناصر . اصبح عبد الناصر هو تبة ضرب النار بعد انتصار اكتوبر  . السادات انحني أمام تمثال عبد الناصر ورفض الجلوس على مقعده ، وتعهد بأن يمشي في طريقه ، وان اضافت النكتة المصرية "مشي على طريق عبد الناصر بأستيكة ". صدرت كتب الصامتون يتكلمون  ومذكرات سيد مرعي وعثمان أحمد عثمان وجلال الدين الحمامصي  وكلها اتهمت عبد الناصر في ذمته السياسية  ووصفته بالديكتاتورية  واتهمته في ذمته المالية .. وبنفس سلاحهم واجهتهم روزا صلاح حافظ والشرقاوي .

 انبأهم  عادل حمودة عندما تولى روزا في بداية التسعينات بحكايات البيجوم اغاخان  وقبلاتها الساخنة (وجدتها تجلسني بجوارها وتصر على إطعامي بنفسها ….."دون أن تنسي منحي اكثر من قبلة على خدي لم يتصور احد شعوري بها") وكشف اسرار  حياة "بنات العجمي "وبنات  وشباب  مارينا والساحل الشمالي، التي لم نكن نعرفها من قبل  .وكشف كيف استبق الجنرال سعد الشاذلي رئيسه ( السادات) في التعامل مع اسرائيل ! وقدم لنا صفحات مجهولة  من حياة عمر الشريف وأحمد زكي، ونزار قباني ( لم يكن دنجوان ولم يحب في حياته اكثر من ثلاث  نساء في ٧٥ عاما. وكشف سر غرام نميري بالشيكولاته .. ونقل الينا قصة خلافه الرهيب الذي كاد يودي به إلى السجن مع فضيلة الإمام الأكبر الدكتور محمد سيد طنطاوي الذي كان مصمما على سجنه ! و" كله كوم " ويوم ان رقص السادات فرحا في السماء بتدمير روزا اليوسف!

عناوين روزا اليوسف البارزة والتي لعلعت كالبارود وطلقات الرصاص على الغلاف تقول وتحكي كل شيء : مبارك في أول لقاء له معه :انت بقى عادل حمودة ؟! بعد ان فجر قنبلته المعنونة ب "فضيحة على النيل " :  هددني مبارك بمقاضاتي بتهمة إهانة رئيس دولة صديقة ". ومنها ايضاً: وقفت في طابور طويل لمصافحة نيلسون مانديلا واجريت حوارًا مع جورباتشوف أثار سخرية مبارك.

خاض عادل حمودة معارك سياسية وصحفية طاحنة مع رئيس الوزراء السابق كمال الجنزوري ، وكان احد أسباب التخلص منه باقالته من روزا اليوسف ، ومعارك مع امير سعودي ، ومع ممدوح الليثي ومع الفاجومي وقالت عنه سوزان مبارك رافضة تعيينه رئيسًا لتحرير الجمهورية : ده مش مننا ومجنون صحافة ولو وجد شيئا ضدنا لن يتردد في نشره ".

هذه بعض سمات تاريخ الكاتب القذيفة صاحب اشهر"  طلقة حبر "- عنوان مقاله الشهير في الفجر - عادل حمودة ، صاحب الاعتراف الشهير في الجزء الأول من مذكراته بان هناك أربع نساء ساهمن في مشواره الصحفي ؛فاطمة وسعاد وسميرة وأميمة (للاطلاع المستفيض انظر الجزء الأول من المذكرات صفحة ١٨٠)

قبل أن ننهي هذا المقال أود أن أهمس في أذن نقيب الصحفيين ومجلس النقابة بالكامل ، بأن عادل حمودة صانع الصحف والكاتب الكبير الذي أثرى حياتنا وخرج اجيالا من الصحفيين ملأوا الدنيا وطبقت شهرتهم الآفاق .. يستحق تكريمًا لائقا في يوم ميلاده ،واتمنى أن تجد هذه الهمسة صداها لدي الصديق الزميل الأستاذ خالد البلشي 

--------------------------------------

بقلم: محمود الشربيني

مقالات اخرى للكاتب

رشقة أفكار |